بين أحضانِ العيد.. تُغتصبُ الفرحة
بقلم/ الدكتورة حلا الكناني
جرت العادة ان العيد يحتضن كل ما هو جميل، ويستجلب كل خير آتٍ، ويستبعد كل مكّدرات الخواطر، و يدخّر المال، والاحوال كي يحظى بسويعات من الفرح، حتى وان كانت عابرة تمرّ مرّ السحاب.
اما العيد في العراق، فكل شيء فيه على غير عادته، طريقة كلامه، وملبسه، مأكله، ومشربه، ومجمل سلوكه، تراه مختلفا كل الاختلاف، ويحملك على تصديق كل تناقصاته، وهنا يكمن مربط الفرس.
عيدٌ زيرُ أفراح، في ذات يوم اعجبته إحداهنّ تدعى بفرحة الموصل، فكمن لها، وراهن على انها ستقع في شباكه،فأغراها بحلّو اللسان، وما تشتهيه الأنفس من الكلام، فربح الرهان، وراح يطربها بالوعود، ويستعيذُ أمامها من الخذلان، فصدقته، واخذت منه موثقاً ان لا يفترقان.
احبته بكل عذريّة، وفي ذات يومٍ خاطبها انني أدعوكِ الى نعيمي، و جنة عشقي ذات الأفنان، انها الجنة التي تساور الأذهان، لكن حذارِ ان تتأخري يا حلوتي، فتجتمع حولي غريماتكِ، فيغرينني بالنسيان.
.
عادت الى مضجعها تملؤها بهجة اللقاء، ولما آن الأوان عمدت الى خزانتها فافرغتها من كل شيء، وبعثرت أشياءها لتبحث عن أجمل ما لديها من العطور و الالوان، فوقع اختيارها على الفستان الاسود، ولم تكن تعرف انه سيد الاحزان لا الالوان، ولبست من الحليّ أجملها، وضجّت الغرفة بعطرها الفرنسي الذي ابتاعته بأبهض الأثمان، ولأول مرة كانت جريئة، فخطّت عينيها دون ان ترتجف يديها، وامتزج الكحل مع ليل العينين، كامتزاج القمر في بحيرةٍ لم تألفها الانظار بلا عنوان ، وراحت تسائل نفسها مرات عديدة، هل سيُفتن بي؟ وهل سأكون اجمل ما رأت عينيه؟
إنه العيد الذي تحلم به الأخريات، وعليّ ان اكون اجمل من كل جميلاته، وان اكون امامه كالبدر في ليلٍ تمام.
ذهبت للقاء حبيبها يرافقها فيض اشواقها، فما ان رآها احتضن مشاعرها بكل دفء مفتعل، ومارس حينها طقوس حبه الزائفة، وعرف عندها انها سهلة الانقياد، فاستجرّها الى عبّارة من سالف الأزمان، فقال لها اصعدي يا أميرتي لأُقلّكِ الى الضفة الاخرى الى حيث الجنة التي وعدتكِ، واغمضي عينيكِ حتى آذن لكِ، كي لا ترين سوى الجمال يا سليلة الحب، والعنفوان، فأطاعته، ولم تدرك ما كان يخبئ لها الزمان، فما ان اعتلت متن العبّارة ، وابحرت بها بعيدا حيث الحلم بالجنان، حتى تغيرت نبرة صوته، كأنه والشرّ سيّان، فصرخ قائلا يا ايتها الساذجة، ما تظنين انني، وشيطاني بكِ فاعلان؟ سنستوفي منكِ كل شيء، ثم نقتلكِ دون رحمة، ونلقي بكِ بعدها الى جبّ النسيان، فتعالى صوت صرخاتها، وتعالت معها ضحكاته ان لا احدا سيسمع استغاثتكِ، وانكِ هالكة لا محال، فالتزمي الصمت، واستسلمي لقدركِ الاخير، وارضِ بالهوان، واعلمي انكِ لست الاولى، ولا الاخيرة التي لاقت، وستلاقي ذات المصير، فاختكِ في الكرادة احرقتُ قلبها من قبل، ولم ترفّ لي أيّة أجفان، و الاخرى في الكاظمية، ومن سبقنها في العراق من كلّ مكان، وستلحقين يا فرحة الموصل بهنّ اليوم، وسأنتقم منكِ شرّ انتقام، فمارس ساديتّه المعهودة عليها، دون ان تحرّك ساكنا، لانها ادركت ان لا فرار من الموت، وانه مدركها من كل مكان، وما هي الا لحظات حتى فارقت الحياة، وتناثرت احلامها الوردية على سطح الماء، الذي راح يلملم شعث تلك الاحلام، ليصوغ منها قصة يرويها لوادي الرافدين، أنها قصة الفرحة العاشقة، والعيد الخوّان.