مقام الدعوة إلى الله مقام عظيم
بقلم الاستاذة الدكتورة: شمس راغب
• إن مقام الدعوة إلى الله تعالى مقام عظيم ، ومرتبة عالية ؛ لأنه مقام صفوة خلق الله تعالى من الرسل الكرام وخلفائهم الراشدين الذين خلفوهم في العلم بالحق والعمل به والدعوة إليه
فجدير بنا أن نولي هذا المقام مجهودنا ، ونسعى فيه السعي
اللائق مخلصين لله في ذلك ، متبعين لرسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – ليكون سعينا مشكورا مقبولا .
• الدعوة إلى الله تعالى دعوة خير وحق ؛ لأنها دعوة إلى العدل
والإحسان ، دعوة إلى ما تقتضيه الفطرة السليمة ، وتستحسنه
العقول الخالصة ، وتركن إليه النفوس الزكية .
• فهي دعوة إلى الإيمان بالله تعالى ، وإلى كل عقيدة سليمة
يطمئن إليها القلب ، وينشرح بها الصدر ، دعوة إلى توحيد الله
في ربوبيته لا شريك له ، فلا خالق ولا مدبر ولا متصرف في
هذا الكون تصرفا مطلقا إلا الله وحده ، وبهذا اليقين ينقطع تعلق
القلب بغير الله تعالى ، ويكون الخوف والرجاء والتوكل خاصا بالله تعالى ، دعوة إلى اليقين بأنه لا حاكم على العباد ولا بين
العباد إلا الله وحده فيما يقضي به من أقدار ، وما ينزله من
شرائع ، وبهذا اليقين ينقطع التحاكم إلى غير شرع الله ، وينبذ
كل حكم خالف حكم الله ورسوله ؛ لأن كل حكم خالف ذلك ؛
فهو ظلم وباطل ، نتيجته فساد البلاد والعباد .. قال تعالى :
” ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ” المائدة : ٥٠
• وبهذا اليقين يذعن العباد لأحكام الله الشرعية ، وينفذونها على
ما أراد الله بها سواء وافقت أهواءهم أم خالفتها ، كما أنهم مذعونون لأحكام الله القدرية ، فقضاؤه نافذ فيهم ، وهم
مستسلمون له ؛ رضوا ذلك أم كرهوه ، قال تعالى : ” أفغير دين
الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ” آل عمران : ٨٣ .
• والدعوة إلى الله تعالى دعوة إلى عبادة الله وحده ، إيمانا ويقينا بأنه لا يستحق العبادة أحد سواه ؛ لا ملك ، ولا نبي ،
ولا ولي ، ولا غيرهم ؛ لأن الله هو الخالق وحده ؛ فيجب أن
يكون هو المعبود وحده.
• والدعوة إلى الله دعوة إلى الإيمان الجازم بكل ما ثبت لله
تعالى من أسماء أو صفات من طريق كتاب الله أو سنة رسوله
– صلى الله عليه وسلم – وأنها كلها صفات حقيقية ثابتة له على
الوجه اللائق به ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا
تمثيل : ” ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ” الشورى : ١١ .
• والدعوة إلى الله تعالى دعوة إلى اتباع الصراط المستقيم ؛
صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين ، والصديقين ، والشهداء
والصالحين ؛ صراط الله الذي وضعه لعباده موصلا إليه ومصلحا
لأمور دينهم ودنياهم .
• وبهذا الاتباع تنقطع طرق الابتداع التي يضلل مبتدعوها بعضهم
البعض الآخر ، وتتفرق بهم الأهواء عن دين الله ، ويتبعون غير ما أمرهم به مولاهم في قوله تعالى : ” وأن هذا صراطي مستقيما
فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم
به لعلكم تتقون ” الأنعام : ٥٣ .
ويقعون فيما نهاهم عنه من التفرق ، حيث يقول سبحانه وتعالى :
” شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما
وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا
فيه ” الشورى : ١٣ .
• والدعوة إلى الله تعالى دعوة إلى مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، وحفظ الحقوق ، وإقامة العدل بين الناس بإعطاء
كل ذي حق حقه ، وتنزيله من المنازل فيما استحقه ، وبذلك
يتحقق الإخاء والمودة بين المؤمنين ، ويستتب الأمن التام ،
والنظام الكامل داخل إطار شريعة الله – عز و جل – وتضمحل
كل الأخلاق غير الأخلاق ، والأعمال غير الصالحة ، والنظم الجاهلية المستمدة من القوانين الوضعية والعقائد الباطلة ، ويذل
كل من قاموا بها ودعوا إليها ، وأرادوا صد عباد الله عن سبيله
إليها .
• ومن أجل هذه الأمور وأضعافها ، وأضعاف أضعافها من المصالح
ودرء المفاسد ؛ صار للدعوة إلى الله تعالى مقام عظيم في الإسلام ، وصار القائمون بها وارثين للرسل الكرام في ذلك ،
وجاءت في الأمر بها وبيان فضلها نصوص الكتاب والسنة :
قال. تعالى : ” ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا
وقال إنني من المسلمين ” فصلت : ٣٣ .
• وعن. سهل بن. سعد ” رضي الله عنه ” أن. النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لعلي بن أبي طالب ” رضي الله عنه ” يوم. خيبر :
” انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام ،
وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه ؛ فوالله ،
لأن يهدي الله بك رجلا واحدا ، خير لك من حمر النعم(١) ” متفق
عليه .
• ولايتسع المقام هنا لذكر كل الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تدل على وجوب الدعوة إلى الله تعالى وفضلها
؛ وذلك لما يترتب عليها من تبليغ شريعة الله وحفظها ، وحصول
المصالح العظيمة للخلق في معاشهم ، ومعادهم ، ودينهم ، ودنياهم ، واندفاع الشرور العظيمة عنهم إذا هم. قبلوها وعملوا
بها .
(١) أخرجه البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب فضل من. أسلم
على يديه رجل ، رقم ( ٣٠٠٩ ) ، ومسلم : كتاب فضائل الصحابة ،
باب من فضائل علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – رقم ( ٢٤٠٦)
من حديث سهل بن سعد ” رضي الله عنه “