آداب المتعلم في قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر ” ” عليهما السلام “
قصة موسى عليه السلام مع الخضر تُعد مثالاً حيًا على هذا المعنى؛
حيث سافر موسى عليه السلام رحلة شاقة ومتعبة في طلب العلم،
قائلاً: “لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا”. وعندما التقى بالخضر، بدأ حديثه
معه بأدب جم، فقال: “هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا”
(الكهف: 66). لاحظ هنا كيف استخدم موسى عليه السلام كلمة “هل”
والتي تعبر عن طلب الإذن والاحترام، ولم يبدأ بكلمات مثل “أريد” أو
“أعزم”، مما يعكس تركه لرغبته الشخصية وأناه خلفه، واحترامه للأستاذ
الذي يتعلم منه.
هذا التصرف من موسى عليه السلام يعكس أدب المتعلم تجاه معلمه؛
حيث يترك الطالب خلفه إرادته وتحكمه وسيطرته، ويتبع معلمه بكل
تواضع وخضوع. وما يلفت النظر أيضًا هو أن موسى لم يطلب “مرافقة” أو
“مصاحبة” الخضر، بل قال “أتبعك”، وهو ما يعكس التزامه الكامل
بمنهجية التعليم التي سيتبعها مع معلمه.
في المقابل، نجد أن الخضر عليه السلام لم يتنازل عن مكانته كمعلم،
فأجاب موسى قائلاً: “إنك لن تستطيع معي صبرًا”، وهي ليست عبارة
رفض، وإنما استثارة لموسى ليختبر مدى صبره وجديته في طلب العلم.
وهنا يتضح جانب آخر من آداب التعلم، وهو الصبر، حيث أن العلم يتطلب
من الطالب التحلي بالصبر والتفاني في طلبه، كما قال موسى:
“ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمرًا”، مقدمًا بذلك شرطًا
مهمًا آخر وهو طاعة المعلم.
المعلم الجيد يعرف متى يوضح الأمور، ومتى يتحدث ومتى يصمت، وهذا
ما يظهر بوضوح في علاقة موسى والخضر. فالخضر عندما قال له: “فإن
اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرًا”، كان يضع
الأساس للعلاقة التعليمية المثلى، حيث ينبغي على الطالب أن يصبر
وينتظر الوقت المناسب ليحصل على الإجابة، مما يعلم الطالب أيضًا قيمة
التفكير المستقل وعدم الاعتماد المفرط على المعلم.
لقد كانت هذه القيم أيضًا موضع اهتمام الفلاسفة القدماء مثل أفلاطون،
الذي كان يصطفي بعض تلاميذه النابهين ويعطيهم دروسًا تعتمد على
الصمت والتفكير المستقل، مثلما كان يقول كلمة واحدة مثل “الزهد” أو
“الشجاعة” ثم يسكت، تاركًا التلاميذ يتدبرون معناها بأنفسهم.
إن رسالة هذه القصة العظيمة هي دعوة إلى التأمل في آداب المتعلم
وتطبيقها في حياتنا اليومية، فهي ليست مجرد قصة تاريخية، بل درسًا
متجددًا يجب أن نعود إليه في ظل ما نشهده اليوم من فتور في العلاقات
التعليمية بين المعلمين والطلاب.
نأمل أن تثير هذه الرسالة اهتمامًا جديدًا بالجانب الأخلاقي في العملية
التعليمية، الذي يتعرض للكثير من القصور في عصرنا الحالي. “سبحانك
لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم”، وصلاة وسلامًا
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.